كنت نائما في الغيوم العالية
كلما تكاثفت وثقلت بالماء كانت أعضائي تتكامل
تتلاحم خيوط جسدي وتنتظم وتتجاور في شكل مصفوف
بيد البخار الشفاف والماء الرقراق كان تكويني
فاذا ما امتلأت الغيوم وتفتقت عباءتها وتبددت في نسيمها من خيوط المطر وحبات البرد
اغتسلت بنقاء الشفافية وبماء الصفاء
جففتني بقايا الرياح الممزقة
وأفرد لي سحابها سردابا وممرا الي الأرض
مع قطرات المطر المنهمرة فردت أجنحتي الشفافة وأخذت سبيلي معها
كعادتي اعتدت علي أن أغسل الجبرية بالحرية .. أزيل الكذب والتزييف لأعرض الحقيقة كما لم يعتد مشاهدتها بني البشر
وبدأت التجربة
********
دخلت عليهم جميلة رشيقة متأنقة مفعمة بالحيوية والنشاط .. تضع أجمل الألوان لتزين بها وجهها وجسدها
تفوح من ثناياها ونحورها أجمل العطور الباريسية وأقواها
أغراهم جمالها .. وشجعهم برائتها ونقاء سريرتها
نظروا اليها نظرة ذئاب جائعة
خطت خطوة صغيرة الي الخلف ومالت بجزعها الضئيل ملتفة حول نفسها
حارت عيناها الجميلتان في السهام المصوبة نحوها .. وارتسم الاستفهام بين عينيها
سال اللعاب علي شدق كل من يحوم حولها
ونظروا الي بعضهم البعض نظرة مفهومة
لم يعطوها الفرصة .. لطرح الاستفهام وبادروا بالاجابة .. دنت منها حركة أخيرة
كحركة غريق يتشبث بالمياه من المياه
قفزوا عليها يجردوها من نقائها .. وأسكبوا عليها من خبثهم
هتكوا عرضها .. وأفسدوا صدقها .. ألجموها فلم يعد لها صوت
طلبت منهم في البداية أن يحترموا صدقها وطهارتها
فلا شئ لديها غيره .. فلم تجد مكترثا
وتوسلت لهم فيما بعد أن يرحموا عذريتها فلم تجد أيضا مصغيا
استسلمت مضطرة بين أياديهم المكبلة لها .. وتمنت لو أعطوها الحرية بعد انتهائهم منها
لكن حتي ما أملته لم يتحقق
فما أن فرغوا منها حتي أهدروا دمائها .. وأباحوها
أسقطوا عليها سكاكينهم تبقر بطنها وتشج جسدها وتسيل دمائها
علي أسطح المكاتب والمظاريف المغلقة
وفشلت التجربة
********
يخبروني أنه فنان صادق
يرسم ما يحب ويكتب ما يريد
أنا ذاهب اليه .. أتوق لرؤياه والتعرف علي ألوانه
أشاهد لوحاته وأقرأ مخطوطاته .. دون حذف وتعديل .. دون شطب وتحرير
دخلت مرسمه فوجدت الألوان يمنةً ويسارا
لا
ليست ما أبغي
لم أجد ضالتي بعد
ذهبت اليه وقد وجدته منكب علي لوحة من لوحاته
هالني هِرَمه
سألته طالبا اللون الأبيض .. لون النقاء والصفاء .. لون الحقيقة دون تداخلات وتدخلات
نظر الي وقد بدا عليه التعجب
عاد برأسه الي الخلف ورفع منظاره السميك أعلي أرنبة أنفه .. ممعنا النظر .. محاولا سبر الفراغ للوصول الي جسدي أو ضباب جسدي ليحادثه
فيسألني أي درجة من درجات الأبيض تريد؟
رفعت حاجباي ونظرت له نظرة ملؤها التساؤل
"وهل للأبيض درجات؟"
أجاب ساخرا "بالطبع"
"لكل واقع في حياتنا درجات .. ولكل أمر نسبية .. فلا حقيقة مطلقة ولا لون مطلق دون تداخلات"
أردف ذلك وأعطاني في يدي حفنة لا تقدر من الأنابيب تحمل المعجون الأبيض
لكنها بعشرات الدرجات
أصابني الذعر من هول التجربة وأخذتني الرهبة والرعدة في أوصار جسدي
فكلما لامست بفرشاة الفنان اللوحة .. متحديا بياضها ببياض المعجون
آملا في أن يتساوي اللونان
وجدت الاختلاف واضحا جليا
فشلت التجربة
تجربة الحرية والمسئولية
*********
حرية دون تكبيل
كلمة دون تبديل
رأي صادق دون تزييف وتغيير
نضج واحترام كافيين
سعادة ومباهاة بالحرية .. احترام كامل للطهارة
وحتي لا نكن في بحثنا عن الكلمة الحرة كمن يبحث عن الطهارة في سوق الدعارة
ندق الأجراس ونطلب الانصاف
****
__________________
الاهتمام بالسياسة فكر أو عمل يقتضي قراءة التاريخ أولا
لأن الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يولدوا
محكوم عليهم بالطفولة طوال عمرهم